كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


987 - ‏(‏استعينوا على الرزق‏)‏ أي على إدراده وسعته وتيسيره ‏(‏بالصدقة‏)‏ لأن المال محبوب عند الخلق ومن قهر نفسه بمفارقة محبوبه إيثاراً لرضا الكريم الوهاب الذي خزائن الرزق بيده فحري بأن يفاض عليه منها غاية مطلوبه ‏{‏وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين‏}‏‏.‏

- ‏(‏فر عن عبد الله بن عمرو‏)‏ ابن عون بفتح المهملة ‏(‏المزني‏)‏ بضم وفتح الزاي صحابي موثق وفيه محمد بن الحسين الصوفي قال الذهبي عن الخطيب عن القطان يضع الحديث ومحمد بن خالد المخزومي قال في الميزان قال ابن الجوزي مجروح‏.‏

988 - ‏(‏استعينوا على النساء‏)‏ اللاتي في مؤنتكم بزوجية أو قرابة أو ملك ‏(‏بالعري‏)‏ أي استعينوا على تسترهن في البيوت وعدم تطرق القالة في حقهن بعدم التوسعة عليهن في اللباس والاقتصار على ما يقيهن الحر والبرد على الوجه اللائق وعلل ذلك بقوله ‏(‏فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها‏)‏ أي زادت على قدر الحاجة كعادة أمثالها بالمعروف ‏(‏وأحسنت زينتها‏)‏ أي ما تتزين به ‏(‏أعجبها‏)‏ أي حسن في نفسها ‏(‏الخروج‏)‏ أي إلى الشوارع والمجامع للمباهات بحسن زيها ولباسها ‏[‏ص 495‏]‏ فترى الرجال منها ذلك وتنشأ عنه الفتن ما لا يخفى على أهل الفطن فبإغرائهن تنحسم هذه المفاسد والشرور التي لا يمكن تداركها بعد وقوعها وإذا كان هذا في زمانه فما بالك به الآن‏؟‏ وفي رواية لابن عدي أيضاً عن أنس مرفوعاً أجيعوا النساء جوعاً غير مضر وأعروهن عرياً غير مبرح لأنهن إذا سمن واكتسين فليس شيء أحب إليهن من الخروج وليس شيء شراً لهن من الخروج وإنهن إذا أصابهن طرف من العري والجوع فليس شيء أحب إليهن من البيوت وليس شيء خيراً لهن من البيوت انتهى وفيه متروك‏.‏

- ‏(‏عد‏)‏ عن الحسن بن سفيان عن زكريا بن يحيى الجزار عن إسماعيل بن عباد الكوفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك أورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث ابن عدي وحكم عليه بالوضع وقال إسماعيل وزكريا متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهداً ورواه الهيتمي والطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن زكريا قال الهيتمي وهو ضعيف‏.‏

989 - ‏(‏استعينوا‏)‏ وفي بعض النسخ استعينوا ‏(‏بغناء الله‏)‏ بفتح الغين والمد‏:‏ أي اسألوه من فضله ولا تسألوا غيره فإن خزائن الوجود بيده وأزمنها إليه ولا معطيي ولا منعم غيره قال بعض العارفين‏:‏ من لزم الباب أثبت في الخدم ومن أكثر الذنوب أكثر الندم ومن استغنى بالله أمن العدم‏.‏ وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي الرضى العابد‏:‏ العيش في ثلاثة أشياء الاستغناء عن الناس - العدو والصديق - وصحة البدن والأمن من الدين‏.‏ وزعم أن المراد من الحديث التزويج لخبر تزوجوا فإنهن يأتين بالمال بعيد‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً الديلمي في الفردوس لكن بيض له ولده لسنده، ثم إن ظاهر كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عشاء ليلة وغداء يوم‏.‏

990 - ‏(‏استغنوا عن الناس‏)‏ أي تعففوا عن مسألتهم والمراد أن العبد يشعر قلبه فقر الخلق إلى ربهم وعجزهم وأنهم تحت قهر قدرة موجدهم ويكف همم نفسه عن التطلع إليهم وإلى ما في أيديهم وجوارحه عن الإقبال عليهم ويقنع بما قسم له ‏(‏ولو بشواص السواك‏)‏ بضم الشين المعجمة وفتحها أي بغسالته أو بما تفتت منه عند التسوك يعني اقنعوا بأدنى ما يسد الرمق حتى لو فرض أنه يسده غسالة السواك أو ما تفتت منه فاقنعوا به وألزموا أنفسكم الاستغناء عنهم وكفوها عن الطمع فيهم والنظر إلى ما في أيديهم وقيل المراد لا تطلبوا منهم غسل السواك مبالغة‏.‏ قال العسكري‏:‏ وقد روي بضم الشين وبفتحها ‏(‏البزار‏)‏ الحافظ أحمد في مسنده

- ‏(‏طب هب عن ابن عباس‏)‏ قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبزار والطبراني إسناده صحيح‏.‏ وقال تلميذه الحافظ الهيتمي رجاله ثقات وقال السخاوي رجال هذا الخبر ثقات وحينئذ فرمز المصنف لضعفه غير صواب‏.‏

991 - ‏(‏استفت نفسك‏)‏ المطمئنة الموهوبة نوراً يفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب، إذ الخطاب لوابصة وهو يتصف بذلك وفي رواية قلبك أي عول على ما فيه لأن للنفس شعوراً بما تحمد عاقبته أو تذم ‏(‏وإن‏)‏ غاية لمقدر دل عليه ما قبله أي فالتزم العمل بما في نفسك ولو ‏(‏أفتاك المفتون‏)‏ بخلافه لأنهم إنما يطلعون على الظواهر وهم بضم الميم جمع مفتي وفي بعض الحواشي بالفتح من الفتنة بمعنى الاختبار والضلال لكن كل من رأيناه شرح الحديث إنما يبني كلامه على معنى الضم وعليه قال حجة الإسلام‏:‏ ولم يرد كل أحد لفتوى نفسه وإنما ذلك لوابصة في واقعة تخصه انتهى قال البعض‏:‏ وبفرض العموم فالكلام فيمن شرح الله صدره بنور اليقين فأفتاه غيره بمجرد حدس أو ميل من غير دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره انتهى وبما بحثه صرح حجة الإسلام لكن بزيادة بيان وإحسان فقال ما محصوله ليس للمجتهد أو المقلب إلا الحكم بما يقع له أو لمقلده ثم يقال للورع استفت ‏[‏ص 496‏]‏ قلبك وإن أفتوك إذ للإثم حزازات في القلوب فإذا وجد قابض مال مثلاً في نفسه شيئاً منه فليتق الله ولا يترخص تعللاً بالفتوى من علماء الظاهر فإن لفتاويهم قيوداً من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات والتوقي عنها من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ قال العارف سهل التستري خرج العلماء والزهاد والعباد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطني حاكم على علم الظاهر لما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم استفت قلبك، فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجرد للذكر والفكر وتخلو عنها زبر التفاسير ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين ولا محققو الفقهاء المعتبرين‏.‏

- ‏(‏تخ عن وابصة‏)‏ بكسر الموحدة وفتح المهملة بن معبد الأزدي وفد سنة تسع وكان بكاءاً وقبره بالرقة ورمز المصنف لحسنه ورواه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما قال النووي في رياضه إسناده حسن وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ورواه أيضاً الطبراني قال الحافظ العراقي وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول‏.‏

992 - ‏(‏استفرهوا‏)‏ ندباً ‏(‏ضحاياكم‏)‏ أي استكرموها فضحوا بالكريمة الشابة المليحة الحسنة المنظر والسير الفارهة المليحة والفتية ويقال هو يستفره الأفراس يستكرمها كما في القاموس وفي مختار الصحاح عن الأزهري الفاره من الناس المليح الحسن ومن الدواب الجيد السير انتهى‏.‏

هذا هو المراد هنا وأما ما فسروا به الفاره من أنه الحاذق بالشيء فلا يتأنى هنا ثم علل ذلك بقوله ‏(‏فإنها مطاياكم‏)‏ جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها ‏(‏على الصراط‏)‏ أي فإن المضحي يركبها ويمر بها على الصراط ويستمر عليها حتى توصله إلى الجنة فإذا كانت سريعة مرت على الصراط بخفة ونشاط وسرعة‏.‏ وحكمة جعلها مطايا في ذلك اليوم دون غيرها من الخيل وغيرها أن ذلك علامة في ذلك الموقف على أن من امتطاها قد امتثل أمر الشارع الندبي بالتضحية وأنه من الفائزين بالجزاء الموعود على ذلك وفيه أن الأفضل في الأضحية كونها جيدة السير ولم أر من قال به من أصحابنا‏.‏

- ‏(‏فر‏)‏ من طريق ابن المبارك عن يحيى بن عبد الله عن أبيه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال المصنف في الدرر ويحيى ضعيف وقال السخاوي يحيى ضعيف جداً ووقع في نهاية إمام الحرمين ثم الوسيط عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم قال ابن الصلاح وهو غير معروف ولا ثابت وقال ابن العربي ليس في فضل الأضحية حديث صحيح‏.‏

993 - ‏(‏استقم‏)‏ ‏(‏قال الدقاق‏:‏ كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك تطلب منك الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة قال السهروردي وهذا أصل كبير غفل عنه كثيرون‏)‏ أي الزم فعل الطاعات وترك المنهيات، وقال القاضي المراد بالاستقامة اتباع الحق والقيام بالعدل وملازمة المنهج المستقيم وذلك خطب جسيم لا يتصدى لإحصائه إلا من استضاء قلبه بالأنوار القدسية وتخلص من كدورات البشرية والظلمات الأنسية الطبيعية وأيده الله بتأييد من عنده واسلم شيطانه بيده وقليل ما هم انتهى وقال الطيبي‏:‏ الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى وهي رتبة الأنبياء ‏(‏وليحسن‏)‏ بفتح المثناة تحت ‏(‏خلفك‏)‏ بضمتين ‏(‏للناس‏)‏ بأن تلقاهم ببشر وطلاقة وجه وتتحمل أذاهم وتفعل بهم ما تحب أن يفعلوا معك وبين به أن الاستقامة نوعان استقامة مع الحق بفعل طاعته عقداً وفعلاً وقولاً، واستقامة مع الخلق بمخالقتهم بخلق حسن وبذلك تحصل الاستقامة الجامعة التي هي الدرجة القصوى التي بها كمال المعارف والأحوال وصفاء القلوب في الأعمال وتنزيه العقائد عن سفاسف البدع والضلال‏.‏ قال الجنيد ولا يطيقها إلا فحول الرجال لأنها الخروج عن المألوفات ومفارقة الرسوم والعادات وهذا الحديث من جوامع الكلم وأصول الإسلام‏.‏

- ‏(‏طب ك هب عن ابن عمرو‏)‏ ‏[‏ص 497‏]‏ ابن العاص قال قال معاذ يا رسول الله أوصني فذكره قال الهيتمي فيه أي عند الطبراني عبد الله بن صالح ضعفه جماعة وأبو السمط معبد بن أبي سعيد مولى المهدي لم أعرفه‏.‏

994 - ‏(‏استقيموا‏)‏ أي الزموا الاستقامة والزموا المنهج المستقيم بالمحافظة على إيفاء حقوق الحق ورعاية حدوده والرضى بالقضاء ‏(‏ولن تحصوا‏)‏ ثواب الاستقامة ‏{‏وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها‏}‏ أو لن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة لعسرها أو لن تطيقوها بقوتكم وحولكم وإن بذلتم جهدكم بل بالله أو استقيموا على الطريق الحسنى وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال ولابد للمخلوق من تقصير وملال، وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد لئلا يتكل على عمله ولهذا قال القاضي‏:‏ أخبرهم بعد الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته لئلا يغفلوا عنه فكأنه يقول لا تتكلفوا على ما تأتون به ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون عجزاً وقصوراً لا تقصيراً وقال الطيبي‏:‏ قوله ولن تحصوا إخبار وإعراض بين المعطوف والمعطوف عليه كما اعترض ولن تفعلوا بين الشرط والجزاء لما أمرهم بالاستقامة وهي شاقة جداً تدارك بقوله ولن تحصوا رأفة ورحمة منه على هذه الأمة المرحومة كما قال تعالى ‏{‏فاتقوا الله ما استطعتم‏}‏ بعد ما نزل ‏{‏اتقوا الله حق تقاته‏}‏ أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به على ما يتيسر لهم من ذلك ولا يشق عليهم بقوله ‏(‏واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة‏)‏ أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن تلزموا بعضها وهو الصلاة الجامعة لكل عبادة من قراءة وتسبيح وتكبير وتهليل وإمساك عن كلام البشر والمفطرات وهي معراج المؤمن ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس فالزموها وأقيموا حدودها سيما مقدمتها التي هي شطر الإيمان فحافظوا عليها فإنه لا يحافظ عليه إلا مؤمن راسخ القدم في التقوى كما قال ‏(‏ولا‏)‏ وفي رواية ولن ‏(‏يحافظ على الوضوء‏)‏ الظاهري والباطني ‏(‏إلا مؤمن‏)‏ كامل الإيمان فالظاهري ظاهر والباطني طهارة السر عن الأغيار والمحافظة على المجاهدة التي يكون بها تارة غالباً وتارة مغلوباً أي لن تطيقوا الاستقامة في تطهير سركم ولكن جاهدوا في تطهيره مرة بعد أخرى كتطهير الحدث مرة بعد أخرى فأنتم في الاستقامة بين عجز البشرية وبين استظهار الربوبية فتكونون بين رعاية وإهمال وتقصير وإكمال ومراقبة وإغفال وبين جد وفتور كما أنكم بين حدث وطهور وفيه ندب إدامة الوضوء وبه أخذ أصحابنا أنه يسن تجديده إذا صلى به صلاة‏.‏

- ‏(‏حم ه ك‏)‏ عن ثوبان وقال الحاكم على شرطهما ولا علة له سوى وهم بلال الأشعري ‏(‏هق عن ثوبان‏)‏ قال المنذري إسناد ابن ماجه صحيح وقال الذهبي في المهذب خرجه ابن ماجه من حديث منصور عن سالم وهو لم يدرك ثوبان وقال الحافظ العراقي في أماليه حديث حسن رواته ثقات إلا أن في سنده انقطاعاً بين سالم وثوبان كما قال ابن حبان ‏(‏هب طب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال مغلطاي إسناده لا بأس به ‏(‏طب عن سلمة بن الأكوع‏)‏ قال الدميري ذكره الرافعي في مجلس العشرين في أماليه وقال ما ملخصه إنه حديث ثابت انتهى‏.‏ وقد عد جمع هذا الخبر من جوامع الكلم وله طرق صحاح وبه استدل ابن الصلاح على صلاة الرغائب ونوزع في سنيتها بما محله كتب الفروع‏.‏

995 - ‏(‏استقيموا ونعما إن استقمتم‏)‏ فإن شأن الاستقامة عظيم وخطبها جسيم، ومن ثم قال الحبر ما نزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم آية آشق من هذه الآية ولا أعظم وهي ‏{‏فاستقم كما أمرت‏}‏ وفي خبر رواه ابن أبي حاتم أنه لم ير بعد نزولها ضاحكاً أبداً وفي خبر الترمذي ما يفيد أن أعظم ما يراعى استقامة بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه الترجمان، قال الحراني‏:‏ وقد جمع لمن استقام الأمداح المبهمة لأن نعم كلمة مبالغة تجمع المدح كله وما كلمة مبهمة تجمع ‏[‏ص 498‏]‏ الممدوح فتطابقا في الإبهام قال ابن الأثير أصله نعم ما، فأدغم وشدد، ثم نبه على أن أعظم أركان الاستقامة الصلاة بقوله ‏(‏وخير أعمالكم الصلاة ولن‏)‏ وفي رواية ولا ‏(‏يحافظ على الوضوء‏)‏ بإسباغه وإدامته واستيفاء سننه وآدابه ‏(‏إلا مؤمن‏)‏ كامل الإيمان وفيه بيان شرف الصلاة وكونها أشرف الطاعات والمحافظة على الوضوء بمراقبة أوقاته وإدامته وإسباغه والاعتناء بآدابه‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي ورواه عنه ابن عساكر أيضاً ‏(‏طب عن عبادة بن الصامت‏)‏ رمز المصنف لصحته فإن أراد أنه صحيح لغيره فقد يسلم وإلا فليس فقد قال مغلطاي فيه إسحاق بن أسيد وهو وإن ذكره ابن حبان في الثقات فقد وصفه بالخطأ وقال ابن عدي هو مجهول أي جهالة حال لا جهالة عين وقد عيب على مسلم إخراج حديثه والبخاري لم يخرج حديثه محتجاً به بل تعليقاً وليس هو ممن يقوم به حجة وروايته عن أبي أمامة منقطعة مع ضعفها انتهى وقال الهيتمي في سند الطبراني محمد بن عبادة عن أبيه ولم أجد من ترجمه‏.‏

996 - ‏(‏استقيموا لقريش‏)‏ أي للأئمة من قريش ‏(‏ما استقاموا لكم‏)‏ أي دوموا على طاعتهم وأثبتوا عليها ما داموا قائمين على الشريعة لم يبدلوها ‏(‏فإن لم يستقيموا لكم‏)‏ وفي رواية بدله لأحمد أيضاً فإن لم يفعلوا ‏(‏فضعوا سيوفكم على عواتقكم‏)‏ متأهبين للقتال ‏(‏ثم أبيدوا‏)‏ أهلكوا ‏(‏خضراءهم‏)‏ أي سوادهم ودهماءهم ذكره الزمخشري وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه كما في الفردوس وغيره فإن لم تفعلوا فكونوا حرائين أشقياء تأكلون من كد أيديكم، قال ابن حجر‏:‏ وقد تضمن هذا الحديث الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم وبه يقوى مفهوم حديث الأئمة من قريش ما أقاموا الدين أنهم إذا لم يقيموه خرج الأمر عنهم، ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد اتباع ما هددوا به من اللعن أولاً وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم عليهم بحيث صاروا محجوراً عليهم ثم اشتد الأمر فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقاليم والأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار‏.‏

إلى هنا كلام الحافظ‏.‏ قال الخطابي الخوارج يتأولونه على الخروج على الأئمة ويحملون قوله ما استقاموا لكم على العدل في السيرة وإنما الاستقامة هنا الإقامة على الإسلام انتهى‏.‏

- ‏(‏حم عن ثوبان‏)‏ مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ابن حجر‏:‏ رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً لأن سالم ابن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان ‏(‏طب عن النعمان بن بشير‏)‏ رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه شعيب ابن بيان الصفار قال الجوزجاني يروي المناكير‏.‏ ذكره الهيتمي‏.‏

997 - ‏(‏استكثر من الناس‏)‏ أي المؤمنين لاسيما صلحاؤهم وعبادهم وزهادهم خصوصاً الشعثة رؤوسهم المغبرة ألوانهم وأطمارهم، فمحصول الحديث طلب الدعاء من كل مؤمن‏.‏ قال القيشيري‏:‏ مرّ معروف الكرخي بسقاء يقول رحم الله من يشرب فتقدم فشرب فقيل له ألم تك صائماً قال بلى ولكن رجوت دعاءه ‏(‏من دعاء الخير لك‏)‏ أي اطلب منهم أن يدعو لك كثيراً بالخير‏.‏ ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية أو تبعيضية ‏(‏فإن العبد لا يدري على لسان من يستجاب له‏)‏ من الناس ‏(‏أو يرحم‏)‏ ورب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره

- ‏(‏خط في رواية مالك‏)‏ بن ‏[‏ص 499‏]‏ أنس الإمام المشهور ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ سكت عليه المؤلف ووهم من زعم أنه رمز لضعفه‏.‏

998 - ‏(‏استكثروا من‏)‏ قول ‏(‏الباقيات‏)‏ عند الله لقائلها بمعنى أنها محفوظة عنده ليثاب عليها ولذلك وصفها بقوله ‏(‏الصالحات‏)‏ قيل وما هي قال ‏(‏التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة إلا بالله‏)‏ أي هي قول سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولاقوة إلا بالله، وبهذا أخذ ابن عباس والجمهور فقالوا الباقيات الصالحات المذكورة في قوله تعالى ‏{‏والباقيات الصالحات‏}‏ الآية هي هذه الكلمات والحديث حجة على من ذهب من المفسرين إلى أنها غيرها‏.‏

- ‏(‏حم حب‏)‏ وأبو يعلى ‏(‏ك‏)‏ في الدعاء والذكر ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي إسناد أحمد حسن

999 - ‏(‏استكثروا من النعال‏)‏ أمر إرشاد والمراد الإكثار من إعدادها في السفر وكلما وهت نعل وتخرقت وجد في رجليه غيرها، فليس المراد باستكثارها لبس أكثر من نعل في حالة واحدة كما قد يظن ثم علل ذلك بقوله ‏(‏فإن الرجل‏)‏ وصف طردي وإنما خصه لأنه يكثر المشي فيحتاج للنعل ‏(‏لا يزال راكباً ما دام منتعلاً‏)‏ لفظ رواية مسلم ما انتعل‏:‏ أي هو شبيه بالراكب مدة دوامه لابساً للنعل في خفة المشقة وقلة النصب وسلامة رجله من نحو أذى أو شوك وفيه إشارة إلى ندب الاستعداد لأهبة السفر وخص الرجل لأن السفر غالباً إنما يكون للرجال فإن سافرت أثنى أو خنثى فهي كالرجال قال القرطبي‏:‏ هذا كلام بليغ ولفظ فصيح لا ينسج على منواله ولا يؤتى بمثاله وهو إرشاد إلى المصلحة وتنبيه على ما يخفف المشقة فإن الحافي المديم للحفا يلقي من الألم والمشقة بالعثار وغيره ما يقطعه عن المشي ويمنعه من الوصول لمقصده والمنتقل يمكنه إدامة المشي فيصل لمقصوده كالراكب فلذلك شبه به‏.‏

- ‏(‏حم تخ م ن عن جابر‏)‏ بن عبد الله قال سمعت المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها يقول فذكره ‏(‏طب عن عمران بن حصين‏)‏‏.‏

قال الهيتمي‏:‏ فيه مجاعة بن الزبير لا بأس به في نفسه وضعفه الدارقطني وبقية رجاله ثقات

- ‏(‏طس عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الهيتمي فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف‏.‏

1000 - ‏(‏استكثروا من‏)‏ قول ‏(‏لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها‏)‏ أي هذه الكلمة ‏(‏تدفع‏)‏ عن قائلها ‏(‏تسعة وتسعين باباً‏)‏ أي وجهاً، إذ كل باب وجه ‏(‏من‏)‏ وجوه ‏(‏الضر أدناها الهم‏)‏ أو قال الهرم، هكذا هو على الشك عند مخرجه لخاصية فيها علمها الشارع، والظاهر أن المراد بهذا العدد التكثير لا التحديد قياساً على نظائره‏.‏ والضر بالضم الهزال وسوء الحال والفاقة والفقر، وبالفتح مصدر ضره يضره إذا فعل به مكروهاً‏.‏

- ‏(‏عق عن جابر‏)‏ بن عبد الله قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا وقال استكثروا إلى آخره وفيه بلفظ ابن عباد عن ابن المنكدر لا يعرف قال في الميزان والخبر منكر قال في اللسان وخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبيه عن ابن ناضية عن ابن أبي عمر به ‏[‏ص 500‏]‏ والطبراني في الصغير وقال بلهط عندي ثقة انتهى وبه يعرف أن إيثار المصنف للعقيلي واقتصاره عليه غير صواب‏.‏

1001 - ‏(‏استكثروا من الإخوان‏)‏ أي من مؤاخاة المسلمين الأخيار‏(‏فإن لكل مؤمن شفاعة‏)‏ عند الله تعالى ذلك إكراماً لهم ‏(‏يوم القيامة‏)‏ فكلما كثرت إخوانكم كثرت شفعاؤكم وذلك أرجى للفلاح وأقرب للصلاح والنجاح وخرج بقولنا من الأخيار إخوان هذا الزمان فينبغي الإقلال منهم‏.‏ قال ابن الرومي‏:‏

عدوّك من صديقك مستفاد * فلا تكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه * يكون من الطعام أو الشراب

وقيل الناس إخوان طمع وأعداء نعم‏.‏ قال الغزالي‏:‏ سمعت أن ابن عيينة قال للثوري أوصني قال أقلل من معرفة الناس قلت أليس في الخبر أكثروا من معرفة الناس فإن لكل مؤمن شفاعة قال لا أحسبك رأيت قط ما تكره إلا ممن تعرف قلت أجل ثم مات فرأيته في النوم فقلت أوصني قال أقلل من معرفة الناس ما استطعت فإن التخلص منهم شديد‏.‏

- ‏(‏ابن النجار‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك رمز المصنف لضعفه‏.‏

1002- ‏(‏استمتعوا من‏)‏ هي بمعنى الباء ‏(‏هذا البيت‏)‏ الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا والمراد من الاستمتاع به إكثار الطواف والحج والاعتمار والاعتكاف ودوام النظر إليه ‏(‏فإنه قد هدم مرتين‏)‏ قال في الكشاف أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبنته قريش انتهى وقال ابن حجر وغيره اختلف في عدد بناء الكعبة والتي تحصل أنها بنيت عشر مرات‏:‏ بناء الملائكة قبل خلق آدم لما قالوا ‏{‏أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‏}‏ ذكره مجاهد ثم آدم رواه البيهقي في الدلائل ثم بنوه من بعده ثم نوح ثم إبراهيم وزعم ابن كثير أنه أول من بناه وأنكر ما عداه ورد ثم العمالقة رواه الفاكهي عن علي ‏(‏ويرفع في الثالثة‏)‏ بهدم ذي السوبقتين له والمراد رفع بركنه وقال في الإتحاف اقتصاره في الحديث عدم على مرتين أراد به هدمها عند مجىء للطوفان إلى أن بناها إبراهيم وهدمها في أيام قريش لما أجحف بها السيل وكان ذلك مع إعادة بنائها في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم وله من العمر خمس وثلاثون سنة‏.‏

والأمر بالاستمتاع به يشمل النظر إليه والطواف به والصلاة فيه‏.‏

- ‏(‏طب ك‏)‏ وكذا ابن لال والديلمي كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الحاكم في مستدركه صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني ثقات‏.‏

1003- ‏(‏استنثروا‏)‏ بهمزة وصل أمر من النثر بفتح النون وسكون المثلثة وهو جذب ماء الاستنشاق بريح الأنف أو نحوه ثم طرحه‏.‏ وقال العراقي‏:‏ هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق وذكر أن الأول قول الخطابي والثاني قول جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثين ‏(‏مرتين بالغتين‏)‏ أي إلى أعلا درجات الاستنثار ‏(‏أو‏)‏ قيل بمعنى الواو ‏(‏ثلاثاً‏)‏ قيل لم يذكر في الثالثة المبالغة دلالة على أن المبالغة في الثنتين قائمة مقام الثالثة والمراد أن ذلك يشرع في الوضوء كما بينه في حديث أبي داود الطيالسي وهو إذا توضأ أحدكم وانتثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثاً قال ابن حجر‏:‏ وإسناده حسن لكن قوله في الحديث المار إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان إلخ يقتضي عدم اختصاص الأمر بالوضوء وعليه فالمراد الاستنثار في الوضوء للتنظيف وللمتيقظ لطرد الشيطان ذكره ابن حجر، وظاهر الأمر الوجوب فليزم من قال بوجوب الاستنشاق كأحمد القول بوجوبه واستدل الذاهبون للندب بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم للأعرابي في خبر الترمذي وغيره توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية ولا ذكر للاستنشاق ولا للانتثار فيها، ونوزع باحتمال أن يراد ‏[‏ص 501‏]‏ بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله تعالى باتباع نبيه ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وبه رد على من لم يوجب المضمضة أيضاً ذكره ابن حجر ويسن كونه بيده اليسرى كما بوّب عليه النسائي وأخرجه مقيداً بها‏.‏

- ‏(‏حم د ه ك عن ابن عباس‏)‏ قال في المنار فيه قارظ بن شيبة لا بأس به وبقية رواته لا يسأل عنهم فإنهم أئمة‏.‏

1004- ‏(‏استنجوا الماء البارد فإنه مصحة للبواسير‏)‏ بفتح الميم المهملة مع شد الحاء المهملة أي ذهاب لمرض الباسور وهو ورم تدفعه الطبيعة إلى محل في البدن يقبل الرطوبة كالمعدة والأنثيين والدبر وتبدل سينه صاداً والأمر بخصوص البارد إرشادأ وهو لمصالح يعود نفعها على البدن‏.‏

- ‏(‏طس عن عائشة عب عن المسور‏)‏ بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو وبالراء ‏(‏ابن رفاعة‏)‏ بكسر الراء وفتح الفاء ابن أبي مالك ‏(‏القرظي‏)‏ تابعي مقبول مات سنة ثمان وثلاثين ومئة والحديث مرسل انتهى قال الهيتمي فيه عمار بن هارون وهو متروك انتهى وعمار هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي يسرق الحديث وفيه أيضاً أبو الربيع السمان وقد ضعفوه‏.‏

1005- ‏(‏استنزلوا الرزق بالصدقة‏)‏ أي اطلبوا إدراده عليكم من خزائن الرزاق بالتصدق على عياله المحتاجين فإن الله يحب من أحسن إليهم وإذا أحب عبداً أجاب دعاءه‏.‏ وأعطاه ماتمناه والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله‏.‏

- ‏(‏هب عن علي‏)‏ أمير المؤمنين ‏(‏عد عن جبير بن مطعم‏)‏ بضم الميم وكسر العين المهملة ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في الثواب عن أبي هريرة‏)‏ وفيه سليمان بن عمرو النخعي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء كذاب مشهور وفي الميزان عن يحيى كان أكذب الناس‏.‏

1006- ‏(‏استهلال الصبي‏)‏ المولود ‏(‏العطاس‏)‏ أي علامة حياة الولد عند خروجه من بطن أمه حالتئذ العطاس قال ابن الكمال‏:‏ الاستهلال أن يكون من الولد ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عين أو عضو انتهى فمراد الحديث أن العطاس أظهر العلامات التي يستدل بها على كمال حياته وأنه خرج تاماً وحياته مستقرة فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه والمراد بالصبي ما يشمل الصبية قال الراغب أول ما ينال غمه عند سقوطه لما يضغطه من مضيق خروجه ويصيبه من ألم الهوى فيتوجع والوجع يورث الغم، والغم يحمله على البكاء، وذلك لأن للصبي كل ما يكون للحيوان من غير النطق من لذة وألم وجوع وعطش ومنه أخذ ابن الرومي قوله‏:‏

لما تؤذن الدنيا بها من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها فإنه * لأفسح مما كان فيه وأرغد

- ‏(‏البزار عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس بمسلم، فقد قال الهيتمي فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهو ضعيف عندهم وتقدمه لإعلاله به عبد الحق‏.‏

1007- ‏(‏أستودع الله‏)‏ أي استحفظ ‏(‏دينك‏)‏ جاطب به من جاء يودعه للسفر من الوداع بفتح الواو وهو الاستحفاظ وذلك لأن السفر محل الاشتغال عن الطاعات التي يزيد الدين بزيادتها وينقص بنقصانها، وقوله أستودع بقرينة السبب والسياق خبر لا أمر وإن كان معناه صحيحاً ويأتي حديث في باب كان أنه كان يقول ذلك وهو واضع يده في يده ‏[‏ص 502‏]‏ فيتأكد ذلك ‏(‏وأمانتك‏)‏ أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم ومالك التي تودعه وتستحفظ أمينك، وقدم الدين لأن حفظه أهم ‏(‏وخواتيم عملك‏)‏ أي عملك الصالح الذي جعلته آخر عملك في الإقامة فإنه يسن للمسافر أن يختم إقامته بعمل صالح كتوبة وقربة وخروج عن المظالم وصلاة وصدقة وصلة رحم وقراءة آية الكرسي ووصية واستبراء ذمة ونحوها فيندب لكل من يودع أحداً من المؤمنين أن يفارقه على هذه الكلمات وأن يكررها بإخلاص وتوجه تام فإذا ولى المسافر قال المقيم اللهم اطو له البعيد وهون عليه السفر كما يأتي‏.‏

- ‏(‏د ت عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفراً ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا وقال الترمذي صحيح غريب وتبعه المصنف فرمز لصحته ورواه عنه النسائي أيضاً، فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد هذين عن الستة غير سديد‏.‏

1008- ‏(‏أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه‏)‏ أي الذي إذا استحفظ وديعة لا تضيع فإنه تعالى إذا استودع شيئاً حفظه كما في الحديث الآتي عن لقمان قال الحكيم أصل الوديعة التخلي عن الشيء وتركه وإذا تخلى العبد عن الشيء وتركه لله واستحفظه إياه فقد تبرأ من الحول والقوة ورفض الأسباب فحصل له الحفظ والعصمة ويندب لكل من المتوادعين أن يقول للآخر ذلك وأن يزيد المقيم زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما كنت‏.‏

- ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رمز المصنف لحسنه وفيه هشام بن عمار، وقد سبق بيانه وابن لهيعة وقد ضعفوه لكنه متماسك وحديثه حسن وموسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين‏.‏

1009- ‏(‏استوصوا‏)‏ قال البيضاوي الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم ‏(‏بالأسارى‏)‏ بضم الهمزة ‏(‏خيراً‏)‏ أي افعلوا بهم معروفاً ولا تعذبوهم بشد الوثاق فوق الحاجة وأطعموهم واسقوهم وهذا قاله في غزوة بدر لما سمع العباس يئن في وثاقه فلم ينم تلك الليلة ثم ذكره فقام رجل من الأنصار فآرخى من وثاقهم ونفس عنهم قال الطيبي‏:‏ ويجوز كونه من الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حقهن‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي عزيز‏)‏ بفتح العين وكسر الزاي ابن عمير أخي مصعب بن عمير قال كنت في الأسارى يوم بدر فقال استوصوا إلى آخره قال الهيتمي إسناده حسن‏.‏

1010- ‏(‏استوصوا‏)‏ قال الطيبي الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهم بخير ‏(‏بالأنصار خيراً‏)‏ زاد في رواية فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، وأخذ منه أن الخلافة ليست فيهم وإلا لأوصاهم ولم يوص لهم وقول ابن حجر لا دلالة فيه إذ لامانع من ذلك فيه تحامل لا يخفى قال القاضي‏:‏ والتوصية التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة وأصلها الوصلة يقال وصاه إذا وصله وقصاه إذا فصله كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي‏.‏

- ‏(‏حم عن أنس‏)‏ بن مالك قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر أي في مرضه ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره وفي طريق آخر لأحمد بلغ مصعب بن الزبير عن عريق للأنصار شيء فهم به فدخل عليه أنس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فألقى مصعب نفسه عن سريره وألصق خده بالبساط وقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين انتهى وفيه علي بن زيد بن جدعان‏.‏

1011- ‏(‏استوصوا بالعباس‏)‏ أبي الفضل ذي الرأس الجزل والقول الفصل ‏(‏خيراً فإنه عمي وصنو‏)‏ بكسر فسكون ‏(‏أبي‏)‏ ‏[‏ص 503‏]‏ فهو أب مجازاً وهو شقيق والده عبد الله بن شيبة الحمد ووصي عمه من بعده كان رئيساً في قريش قبل الإسلام، إليه عمارة المسجد الحرام والسقاية‏.‏

أسر ببدر لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من لقيه فلا يقتله فإنه خرج مستكرهاً وفادى نفسه بعد أن قال ليس معي شيء فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وأين المال قلت لأم الفضل حين خرجت إذا مت فافعلي به كذا‏؟‏ فأسلم لكونه لم يطلع عليه أحد وكتم إسلامه ليوم الفتح‏.‏

- ‏(‏عد عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وإسناده ضعيف لكن يعضده ما جاء عن ابن عباس بلفظ استوصوا بعمي العباس خيراً فإنه بقية آبائي وإنما عم الرجل صنو أبيه ورواه الطبراني وفيه كما قال الهيتمي عبد الله بن خراش ضعيف وبقية رجاله وثقوا‏.‏

1012- ‏(‏استوصوا بالنساء خيراً‏)‏ أي اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن ‏(‏أو اقبلوا‏)‏ وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن، والأول للطيبي والأخير للقاضي، قال ابن حجر‏:‏ وهو أوجه الأوجه، والخير الموصى به لها أن يداريها ويلاطفها ويوفيها حقوقها المشار إليها بنحو خبر الحاكم وغيره‏:‏ حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجرها ‏(‏فإن المرأة خلقت‏)‏ أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة ‏(‏من ضلع‏)‏ بكسر ففتح أو فسكون‏.‏ قال القاضي‏:‏ والضلع بكسر فسكون واحد الأضلاع استعير للمعوج صورة ومعنى، وقيل أراد به أن أول النساء خلقت من ضلع فإن حواء خرجت من ضلع آدم قيل الأيسر وقيل القصرى كما تخرج النخلة من النواة ثم جعل محلها لحم ‏(‏فإن ذهبت نفييمه كسرته‏)‏ أي إن أرادت منها تسوية اعوجاجها أدى إلى فراقها، فهو ضرب مثل للطلاق ‏(‏وإن تركته‏)‏ أي لم تقمه ‏(‏لم يزل أعوج‏)‏ فلا يطمع في استقامتهن البتة ‏(‏وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه‏)‏ ذكر تأكيد لمعنى الكسر وإشارة إلى أنها خلقت من أعوج آخر الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن أوضربه مثلاً لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل به الأذى، وأعاد الضمير مذكراً على تأويله بالعضو وإلا فالضلع مؤنثة وقول الزركشي تأنيثه غير حقيقي فلذلك ذكر رده الدماميني بأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه مثل طلع الشمس وأما مضمره فكالمؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث ‏(‏فاستوصوا‏)‏ أيها الرجال ‏(‏بالنساء خيراً‏)‏ ختم بما به بدأ إشعاراً بكمال طلب الوصية بهن وزاد التأكيد بالإظهار في محل الإضمار، وفيه رمز إلى أن التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه ولا يترك فيستمر أعوج فالمبالغة ممنوعة وتركها على العوج ممنوع وخير الأمور أوسطها ‏.‏